الذهب بين موجة الصعود والتصحيح: المعدن الأصفر يحافظ على بريقه رغم التراجع الطفيف

رغم التراجعات المحدودة التي شهدها الذهب في ختام الأسبوع، فإن المعدن النفيس لا يزال محور اهتمام عالمي، بعدما لامس مستويات قياسية قاربت 4400 دولار للأونصة، وسط تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، واستمرار الإغلاق الحكومي الأميركي، وازدياد الإقبال على الملاذات الآمنة بفعل تراجع الثقة بالأسواق المالية.
تصحيح طبيعي بعد مكاسب قوية
يرى مصطفى فهمي، الرئيس التنفيذي للإستراتيجيات في شركة فورتريس للاستثمار، أن ما يشهده الذهب حالياً هو تصحيح طبيعي بعد موجة صعود حادة الأسبوع الماضي.
وقال فهمي في تصريح لـ”الجزيرة نت”: “الذهب يمر بمرحلة تصحيحية نتيجة الارتفاعات الكبيرة التي سجلها، ومن المرجح أن تتراوح الأسعار بين 3900 و4000 دولار للأونصة كمناطق استقرار مؤقت، ما لم تظهر مستجدات جوهرية.”
وأضاف أن الاتجاه العام للذهب لا يزال صاعداً على المديين المتوسط والطويل، مشيراً إلى أن الطلب المؤسسي والمصرفي بلغ أعلى مستوياته منذ عقدين، مع استمرار البنوك المركزية والمؤسسات الاستثمارية في شراء الذهب كأداة تحوط من التضخم وتآكل العملات الورقية.
وأكد أن العوامل التي ستحدد مسار الأسعار خلال الفترة المقبلة تشمل الحرب التجارية بين أميركا والصين، والإغلاق الحكومي الأميركي، إلى جانب التطورات السياسية في فرنسا واليابان وغيرها من العوامل الجيوسياسية.
زخم صعودي رغم المخاطر
من جهته، أوضح وليد فقهاء، مدير الاستثمار في شركة الأهلي للوساطة المالية، أن الصورة الفنية للذهب ما زالت إيجابية رغم تصاعد المخاطر.
وقال فقهاء إن “الذهب بلغ مستويات قريبة من 4400 دولار للأونصة قبل أن يتراجع نحو 130 دولاراً ليغلق عند حدود 4270 دولاراً”، مضيفاً أن التقديرات للأسبوع المقبل تشير إلى تداول المعدن النفيس ضمن نطاق 4100 إلى 4300 دولار للأونصة في حال غياب تطورات مؤثرة.
وأشار فقهاء إلى أن التوترات الجيوسياسية والتصريحات المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة ما تزال تضغط على معنويات المستثمرين، متوقعاً أن تبقى الأسعار مرتفعة قرب مستويات 4250 إلى 4300 دولار مع استمرار الإغلاق الحكومي الأميركي وعدم وجود بوادر حل قريب للأزمة.
كما لفت إلى أن أي بيانات ضعيفة من الاقتصاد الصيني أو قرارات تخص أسعار الفائدة ستنعكس مباشرة على معنويات الأسواق، مما يزيد من الطلب على الذهب كملاذ آمن.
الاتجاه المتوسط والطويل: صعود مستمر
بدوره، يرى طلال السمهوري، مدير الاستثمار في شركة أفينتيكوم لإدارة رأس المال، أن الاتجاه العام للذهب يبقى صاعداً خلال الأشهر التسعة إلى الاثني عشر المقبلة، رغم صعوبة التنبؤ بحركته الأسبوعية بسبب كثرة المتغيرات العالمية.
وقال السمهوري إن “الذهب سيظل في مسار تصاعدي مدعوماً بالعوامل الاقتصادية الكلية، مثل التضخم وتباطؤ النمو العالمي، لكنه سيبقى حساساً لأي تطورات سياسية وتجارية مفاجئة”.
صعود مدفوع بالهروب من التضخم
ووفقاً لتقارير بلومبيرغ، فقد ارتفع الذهب بأكثر من 60% منذ بداية عام 2025، مدفوعاً بموجة شراء قوية من البنوك المركزية وصناديق المؤشرات المدعومة بالسبائك، مع تحول المستثمرين نحو الأصول الحقيقية في ظل تراجع الثقة بالنظام المالي العالمي.
كما سجلت الفضة مكاسب لافتة تجاوزت 54.50 دولاراً للأونصة قبل أن تتراجع بنسبة 6%، في أكبر انخفاض لها منذ ستة أشهر.
ويشير محللو بلومبيرغ إلى أن الذهب أصبح “مرآة للاقتصاد العالمي”، حيث يتفاعل بشكل مباشر مع الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية ومعدلات الفائدة وأزمات الديون الحكومية.
نصائح للمستثمرين
قدّم الخبراء جملة من النصائح للمستثمرين في ظل التقلبات الحالية:
- مصطفى فهمي:
- على من يشتري الذهب بغرض التحوط أو حفظ القيمة أن يستثمر على المدى الطويل.
- من الأفضل عدم البيع حالياً، لأن الذهب مرشح لتجاوز 5000 دولار للأونصة في حال استمرار الظروف الراهنة.
- المضاربون القصيرون يجب أن يكونوا حذرين، فكل صعود قوي يتبعه عادة تصحيح قوي.
- وليد فقهاء:
- يُنصح بـ الشراء التدريجي على مراحل لتقليل مخاطر التوقيت الخاطئ.
- يمكن البيع الجزئي عند بلوغ مستويات مرتفعة لتحقيق أرباح مرحلية.
الذهب بين ملاذ الأمان ومرآة الاضطراب
يرى الخبراء أن الذهب سيظل الملاذ الآمن الأول عالمياً في مواجهة التضخم والتقلبات السياسية والتجارية، حتى مع حدوث تصحيحات مؤقتة.
ويتفق المحللون على أن الاتجاه العام يبقى صاعداً، وأن أي تراجع قادم يمثل فرصة للشراء لا سبباً للقلق، في ظل استمرار الاضطرابات العالمية التي تعزز مكانة الذهب كرمز للثقة والاستقرار المالي.









