الفضة تتجاوز 50 دولارًا للأونصة: تحليل أسباب الصعود والطلب الصناعي المتزايد

تحت تأثير تغيرات عالمية متسارعة واضطرابات اقتصادية وجيوسياسية، ارتفع الميل إلى أصول التحوط، وعلى رأسها الذهب والفضة. وفي حالة الفضة تحديدًا، أدى اختلال العرض والطلب إلى موجة صعود قوية تجاوزت الأسعار فيها 50 دولارًا للأونصة منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025، مخترقة مستويات مقاومة تاريخية تعود إلى أوائل الثمانينيات.
مكانة الفضة الحالية وسياقها التاريخي
ارتفعت الفضة بنحو 70% هذا العام، لتتداول حتى منتصف أكتوبر 2025 قرب 52 دولارًا للأونصة، وهو أعلى مستوى منذ الثمانينيات. تاريخيًا، تجاوزت الفضة 40 دولارًا في عام 1980 لشهر واحد قبل أن تهبط إلى 3.51 دولارات عام 1993، ثم عادت فوق 40 دولارًا في 2011 لفترة قصيرة، قبل أن تهبط إلى أدنى مستوى لها عند 11.735 دولارًا في عام 2020.
الإنتاج العالمي وأبرز المنتجين
بلغ الإنتاج العالمي للفضة نحو 25 ألف طن في 2024، مع تصدّر دول أميركا اللاتينية القائمة بنسبة تقارب 51% من المعروض العالمي:
- المكسيك: 6,300 طن (25%)
- الصين: 3,300 طن (13%)
- بيرو: 3,100 طن (12%)
- بولندا وبوليفيا: 1,300 طن لكل منهما (5%)
- روسيا وتشيلي: 1,200 طن لكل منهما (4.8%)
- الولايات المتحدة: 1,100 طن (4.4%)
- أستراليا وكازاخستان: 1,000 طن لكل منهما (4%)
- الأرجنتين والهند: 800 طن لكل منهما (3.2%)
- السويد وكندا: 400 و300 طن على التوالي
- دول أخرى: نحو 2,100 طن (8%)
طبيعة المعروض وسبب بطء استجابته
تنتج الفضة غالبًا كناتج جانبي من تعدين الرصاص والزنك والنحاس وأحيانًا الذهب، ما يجعل زيادة المعروض مرتبطة بإنتاج هذه المعادن الأساسية وليس بسعر الفضة فقط. أي اضطرابات في إنتاج المعادن الأساسية – سواء بسبب قيود تنظيمية، أو أزمات بيئية، أو مشاكل لوجستية أو سياسية – تنعكس فورًا على المعروض من الفضة.
أسباب الصعود الحالي
تشهد الفضة صعودًا غير مسبوق بسبب مزيج من العوامل المعقدة:
- مخاطر اقتصادية وجيوسياسية: ضعف القوة الشرائية للعملات، ارتفاع الديون، وتراجع الثقة بالأصول الورقية دفع المستثمرين للتحوط بالفضة والذهب.
- تحديات العرض المرتبطة بالمعادن الأساسية: بطء استجابة المعروض بسبب إنتاج الفضة كناتج ثانوي للمعادن الأخرى.
- عوامل قانونية ولوجستية وسوقية:
- الترقب لقرارات جمركية أمريكية تحت المادة 232.
- تسريع شحن الفضة إلى الأسواق الكبرى لتفادي قيود الاستيراد، مما يقلل المخزون المتاح.
- ارتفاع تكاليف الاقتراض الفوري للفضة إلى نحو 35%، مع شح المخزونات القابلة للتسييل.
- زيادة الطلب في الهند، وانخفاض المخزون الفوري في لندن ونيويورك، ما يعزز فروق الأسعار بين الفوري والآجل.
الطلب الصناعي المتسارع على الفضة
يستمر الطلب الصناعي في دفع الأسعار لأعلى، مدفوعًا بالتحول نحو الطاقة النظيفة والرقمنة:
- الإلكترونيات والكهرباء: استخدام الفضة في الدوائر المطبوعة والأحبار والمفاتيح العالية الاعتمادية.
- الطاقة الشمسية: كموصل على خلايا السيليكون لجمع الإلكترونات بكفاءة عالية.
- صناعة السيارات: في نقاط التماس والدوائر الكهربائية للسيارات الكهربائية.
- الصناعات الكيميائية: محفز لإنتاج أكسيد الإيثيلين والفورمالديهايد.
- اللحام والسبائك المعدنية: لضمان وصلات مقاومة للتآكل والحرارة.
- المجال الطبي وتنقية المياه: استخدام أيونات الفضة لمكافحة البكتيريا وتحسين جودة المياه.
- التصوير الفوتوغرافي والتطبيقات التشخيصية: رغم تراجع الاستخدام التقليدي، لا تزال الفضة تدخل في بعض الأفلام الطبية والفنية.
الخلاصة
ارتفاع أسعار الفضة الحالي لا يندرج تحت المضاربة فقط، بل نتيجة مزيج من الإقبال التحوطي على الأصول الآمنة والطلب الصناعي المتزايد. بينما يقيد العرض استجابة المعروض بسبب الطبيعة الثانوية للفضة في الإنتاج، يستمر الطلب الصناعي والتحوطي في دعم الاتجاه الصعودي. يبقى السؤال الأبرز: كيف ستنعكس هذه الاختلالات البنيوية على أسعار الفضة والمعادن النفيسة عالميًا في المستقبل القريب؟









