حملة أمنية في إدلب تستهدف “فرقة الغرباء” وتثير توتراً بين المقاتلين الأجانب

شنت القوات الحكومية السورية في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025 حملة أمنية واسعة ضد تجمع لمقاتلين من أصول أفريقية يحملون الجنسية الفرنسية، يُعرفون باسم “فرقة الغرباء”، داخل أحد المخيمات في منطقة حارم بريف إدلب، في خطوة وُصفت بأنها الأكبر ضد المجموعات الأجنبية منذ إعادة هيكلة المشهد العسكري في الشمال السوري.
تصاعد التوتر بين الفصائل الأجنبية
أدت العملية إلى توتر واسع بين المجموعات المقاتلة الأجنبية الأخرى المنتشرة في محافظة إدلب، ولا سيما المنحدرة من أوزبكستان وكازاخستان، وسط مخاوف من أن تكون الحملة بداية لخطة شاملة لتفكيك الجماعات الأجنبية المسلحة، خصوصًا بعد النشاط الدبلوماسي السوري المكثف منذ سبتمبر الماضي، والذي شمل مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، تلتها زيارة إلى روسيا هي الأولى من نوعها منذ توليه السلطة.
خلفيات العملية ضد “فرقة الغرباء”
يقود الفرقة عمر ديابي المعروف باسم عمر أومسين، وهو فرنسي من أصول سنغالية وُلد في مدينة نيس عام 1976. لم يُعرف عنه في بداياته أي نشاط متطرف، لكن توجهاته تغيّرت بعد سجنه عام 2003 بتهمة السطو المسلح.
وسبق أن اعتقلته هيئة تحرير الشام عام 2020 خلال سيطرتها على إدلب، بتهم تتعلق بعلاقات مع جماعات معادية للهيئة، قبل أن يُفرج عنه لاحقًا بعد تعهد بالانضباط.
ووفق مصادر أمنية سورية وشهادات محلية، فإن سبب الحملة الأخيرة يعود إلى رفض أومسين الاعتراف بسلطة الحكومة السورية، وإنشائه محكمة موازية داخل المخيم تُصدر أحكامًا وتنفّذ عقوبات بحق السكان، كما منع في أكثر من مرة نساء من مغادرة المخيم مع أطفالهن.
وحين بدأت الحملة، حاول أومسين استنفار مجموعات من المقاتلين الأجانب، خاصة الأوزبك، مدعيًا أن الحكومة تستهدف “الأجانب” ككل. لكن العملية انتهت بعد موافقته على تفكيك المحكمة والالتزام بالقوانين السورية، وانضمام عناصر فرقته إلى الفرقة 84 في الجيش السوري، وهي التشكيلة التي خصصتها وزارة الدفاع لاحتواء المقاتلين الأجانب تحت إشراف مباشر.
تراجع نفوذ المقاتلين الأجانب في سوريا
تشير دراسة صادرة عن مركز جسور للدراسات إلى أن أعداد المقاتلين الأجانب في سوريا بدأت بالتراجع منذ عام 2018، ولم تعد تتجاوز خمسة آلاف مقاتل اليوم.
وتعد أبرز الجماعات الأجنبية المتبقية الحزب الإسلامي التركستاني (الإيغور)، وكتيبة الإمام البخاري (الأوزبك)، وكتيبة أنصار الإسلام، إلى جانب مجموعات محدودة من الألبان والقوقاز.
منذ توقيع اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا عام 2020، تقلص حضور هؤلاء المقاتلين بشكل واضح، وغادرت مجموعات عديدة الأراضي السورية، بعضها إلى أوكرانيا عام 2022 للمشاركة في القتال ضد روسيا، بينما انسحب آخرون أو اندمجوا في أنشطة مدنية بعد توقف المعارك.
كما تراجع الوجود العربي في الساحة السورية، بعد مغادرة عدد من القادة البارزين أو اعتزالهم العمل العسكري، مثل الداعية السعودي عبد الله المحيسني الذي اتجه للأعمال التجارية، وعلي العرجاني الذي عاد إلى بلاده عام 2022.
سياسة الحكومة الجديدة في التعامل مع الأجانب
منذ تولي الحكومة السورية الجديدة مهامها مطلع عام 2025، تبنت سياسة تهدف إلى ضبط وجود المقاتلين الأجانب ودمجهم في مؤسسات الدولة، لتجنب أي تصعيد أمني أو ردود فعل دولية سلبية.
وأعرب المبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك في يونيو الماضي عن دعمه لهذه الخطوة، معتبرًا أن دمج المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري أفضل من إقصائهم.
وقد أنشأت وزارة الدفاع السورية الفرقة 84 التي تضم مقاتلين أجانب وسوريين معًا، وتخضع لقيادة سورية مباشرة. وتم إلزام عناصرها بالابتعاد عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي هذا السياق، اعتقلت السلطات في سبتمبر الماضي أبو دجانة الأوزبكي بسبب خرقه لهذه الضوابط واستمراره في نشر تسجيلات مصورة.
الموقف الدولي والمصير المحتمل للمقاتلين
أعلنت دول عديدة –ومن بينها فرنسا– أنها لا تنوي استعادة مقاتليها الأجانب من سوريا، مؤكدة أن محاكمتهم يجب أن تتم في أماكن ارتكاب جرائمهم، مع استعدادها لاستعادة الأطفال فقط.
ونفى راديو فرنسا الدولي أن تكون العملية ضد “فرقة الغرباء” جرت بطلب من باريس، موضحًا أن الحكومة الفرنسية لم تطلب اعتقال أومسين ولا تسعى لإعادة الجهاديين إلى أراضيها.
في المقابل، لا يبدو أن دمشق تخطط لشن حملات موسعة ضد جميع المقاتلين الأجانب، طالما أنهم قبلوا بالانضواء تحت مظلة الجيش السوري والتزموا بالتوجهات السياسية العامة.
لكن مصادر حكومية لم تستبعد إجراءات أمنية محددة ضد المجموعات التي قد ترفض الانضباط أو تعيد إحياء خلايا مستقلة خارج سلطة الدولة.
مستقبل الغربيين والآسيويين في الشمال السوري
تُجمع التقديرات الميدانية على أن النفوذ الأجنبي في إدلب في تراجع مستمر، مع انتقال المقاتلين نحو خيار الاندماج أو الرحيل الطوعي إلى مناطق أخرى.
ويرى مراقبون أن سياسة الاحتواء والحوار التي تتبعها دمشق، المدعومة دوليًا، تمثل المسار الأكثر استقرارًا لتفادي عودة التوتر أو التحاق هذه المجموعات بتنظيم الدولة الذي يحاول استعادة نشاطه في البادية السورية.
وبينما يتوقع أن يتقلص عدد المقاتلين الأجانب تدريجيًا مع استكمال إعادة بناء مؤسستي الجيش والأمن، يُرجّح أن يختار كثير منهم الاندماج في المجتمع السوري أو الرحيل بصمت، لتطوى بذلك واحدة من أطول صفحات وجود المقاتلين الأجانب في الساحة السورية.









