الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر بين حرية الابتكار ومخاطر الاستخدام السيئ

أثارت البرمجيات مفتوحة المصدر على مدى السنوات الماضية جدلاً واسعاً بين المستخدمين والمطورين حول العالم، بين من يراها ركيزة لتطوير صناعة البرمجيات بفضل مرونتها وانفتاحها، ومن يعتقد أنها قد تشكل تهديداً بسبب ضعف الرقابة وإمكانية إساءة استخدامها.
ولم يكن الذكاء الاصطناعي بمنأى عن هذا الجدل، إذ انقسمت الآراء حول جدوى طرح نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر. فبينما يرى المؤيدون أن إتاحتها للعامة يسهم في تسريع الابتكار وجعل التقنيات في متناول الجميع، يرى المعارضون أن هذه النماذج لا يجب أن تُترك دون ضوابط صارمة خوفاً من وقوعها في أيدي أطراف غير مسؤولة قد تستخدمها لأغراض ضارة.
إلا أن الشركات الصينية نجحت مؤقتاً في تهدئة هذا الجدل بطرحها مجموعة من النماذج مفتوحة المصدر التي أتاحت للمستخدمين الوصول إليها بحرية، مما دفع شركة OpenAI لأول مرة منذ تأسيسها قبل ست سنوات إلى إطلاق نموذج ذكاء اصطناعي مفتوح المصدر بالكامل، في خطوة حظيت بدعم إدارة ترامب التي شجعت الشركات الأميركية على اتخاذ مسار مماثل.
لكن السؤال الأهم يبقى: ما الذي يميز نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر عن النماذج التقليدية؟ وكيف يمكن أن تؤثر على مستقبل هذه التقنية عالميًا؟
ما المقصود بالبرمجيات مفتوحة المصدر؟
البرمجيات مفتوحة المصدر هي تلك التي تتيح للمطورين حرية الوصول إلى الكود المصدري وتعديله وتخصيصه وفق احتياجاتهم دون الرجوع إلى الجهة المطورة الأصلية. وتشمل هذه التعديلات تحسين الأداء، أو تغيير الواجهة، أو حتى إعادة بناء البرنامج بالكامل.
من أبرز الأمثلة على البرمجيات مفتوحة المصدر متصفح Google Chrome الذي يعتمد على نواة “كروميوم” مفتوحة المصدر، ونظام Android الذي يتيح للمطورين استخدامه وتخصيصه رغم أن خدمات “غوغل” ليست جزءًا إلزاميًا منه.
وتؤكد مبادرة البرمجيات مفتوحة المصدر (Open Source Initiative) في كاليفورنيا أن المطورين والمستخدمين يملكون الحق الكامل في تعديل هذه البرمجيات ومشاركتها بحرية.
وينطبق ذلك أيضًا على الذكاء الاصطناعي، حيث يتعين على الشركات الراغبة في تقديم نماذج مفتوحة المصدر الكشف عن بيانات التدريب وآلية تطوير النموذج، وتمكين المستخدمين من إعادة تدريبه أو تعديله وفق احتياجاتهم الخاصة.
أبرز الشركات التي تقدم نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر
تتصدر شركة Meta القائمة عبر نماذجها الشهيرة LLaMA التي تتيح الكود المصدري بشكل مجاني، رغم الانتقادات التي واجهتها بشأن سياسات الترخيص واستخدام النماذج لأغراض تجارية.
كما طرحت شركة DeepSeek في يناير نموذجاً مفتوح المصدر بُني بالكامل على نواة مفتوحة المصدر، في حين أطلقت OpenAI مؤخراً نماذجها GPT-OSS 120B وGPT-OSS 20B، لتلحق بها Apple التي قدمت نموذجين هما FastVLM وMobileCLIP2.
فوائد الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر
يرى أنصار هذا التوجه أن النماذج مفتوحة المصدر تسهم في نشر التكنولوجيا بوتيرة أسرع وتخفض التكاليف، مما يسهل تبنيها من قبل المؤسسات الصغيرة والباحثين.
كما تتيح هذه النماذج شفافية أكبر، إذ يمكن مراجعة أكوادها وآليات التدريب للتأكد من سلامتها وخلوها من التحيزات أو الأخطاء.
وتستفيد الشركات المطورة أيضًا من هذا الانفتاح، حيث يؤدي انتشار تقنياتها إلى ترسيخ مكانتها وجعل مطوري البرمجيات أكثر اعتيادًا على منتجاتها، ما قد يوجههم لاحقًا نحو حلولها المدفوعة.
التحديات والمخاطر
لكن رغم هذه المزايا، فإن هناك مخاوف حقيقية. فالنماذج مفتوحة المصدر قد تُستغل لتطوير برمجيات خبيثة أو أنظمة مزيفة يصعب تتبعها. كما يخشى بعض الساسة في واشنطن من أن يؤدي الانفتاح الزائد إلى تسريب الأسرار التقنية الأميركية إلى منافسين دوليين.
وفي ظل هذا التوازن الدقيق بين الانفتاح والأمان، يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر مرهونًا بقدرة الشركات والحكومات على وضع ضوابط تضمن الابتكار المسؤول دون التضحية بالأمان أو الملكية الفكرية.






