الاقتصاد

مصر تنقل إدارة الشركات الحكومية إلى الصندوق السيادي: خطوة استراتيجية أم تدوير إداري؟

أعلنت الحكومة المصرية عن خطتها لنقل إدارة جميع الشركات الحكومية إلى صندوق مصر السيادي، في خطوة تهدف إلى تعظيم العوائد على أصول الدولة، رغم التحديات البيروقراطية والإدارية التي قد تعرقل تحقيق الأهداف المرجوة.

نقلة نوعية أم إعادة توزيع للأصول؟

يثير هذا التوجه تساؤلًا رئيسيًا: هل يمثل نقل ملكية الشركات الحكومية إلى الصندوق السيادي خطوة استراتيجية نحو تعظيم الأصول، أم مجرد إعادة هيكلة إدارية لن تحدث تغييرًا جوهريًا في ظل التحديات المعقدة لعمليات الدمج والإدارة؟

وفي إطار خطط الإصلاح الاقتصادي، أكد وزير الاستثمار المصري حسن الخطيب، خلال مشاركته في مؤتمر إنفستوبيا 2025 بأبو ظبي، أن عملية النقل ستتم على مراحل، وفقًا لرؤية الحكومة.

محاور الخطة الجديدة

ترتكز الخطة الحكومية على ثلاث خطوات رئيسية:

  1. إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة.
  2. جذب استثمارات القطاع الخاص.
  3. طرح بعض الشركات في البورصة للاكتتاب العام.

وتهدف هذه الاستراتيجية إلى تعظيم قيمة الأصول والعوائد بدلًا من بيعها بأي ثمن، وهو ما يتماشى مع سياسة ملكية الدولة التي أعلنتها الحكومة عام 2022، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من صندوق النقد الدولي.

دور الصندوق السيادي في إدارة الأصول

وفقًا للبيانات الرسمية، يبلغ رأسمال صندوق مصر السيادي، الذي تأسس عام 2018، حوالي 12.7 مليار دولار، بينما يدير أصولًا بقيمة 637 مليون دولار، ويتفرع منه أربعة صناديق فرعية تغطي مجالات اقتصادية مختلفة.

ويهدف الصندوق إلى إدارة أصول الدولة والشركات التابعة لها وفقًا لأفضل المعايير الدولية، مع التركيز على تحقيق التنمية المستدامة وتعظيم العوائد للأجيال القادمة، إضافةً إلى تعزيز التعاون مع الصناديق والمؤسسات الاستثمارية العربية والدولية.

إصلاحات مثيرة للجدل

في إطار تعزيز دور الصندوق، أقر البرلمان تعديلات على قانونه تضمنت:

  • إعفاء كافة المعاملات بين الصندوق والكيانات التابعة له من الضرائب والرسوم الحكومية.
  • حماية قانونية تمنع الجهات الخارجية من الطعن في صحة العقود أو الإجراءات المتعلقة بالصندوق.

ورغم أن هذه التعديلات تمنح الصندوق مزيدًا من الصلاحيات، إلا أنها أثارت تساؤلات حول مدى الشفافية والرقابة على عملياته، خاصةً بعد نقل ملكية أصول بارزة إليه، مثل مجمع التحرير، مقر الحزب الوطني، ومقر وزارة الداخلية.

التحديات أمام الصندوق السيادي

يرى محمد فؤاد، عضو اللجنة الاستشارية للاقتصاد الكلي بمجلس الوزراء، أن أداء الصندوق لم يحقق الأهداف المرجوة حتى الآن، حيث ركز على نقل ملكية الأصول بين الجهات الحكومية بدلًا من تطويرها وتحقيق عوائد ملموسة.

وأشار إلى أن الغموض حول هوية الصندوق ودوره، والتغيرات الإدارية المتكررة، يعيقان تحقيق أهدافه، مؤكدًا أن نقل الأصول، مثل عملية نقل ملكية 13 جهة حكومية من وسط القاهرة في يناير 2024، لم يُترجم بعد إلى التحولات الاقتصادية المطلوبة.

وأوصى فؤاد بإعادة هيكلة واضحة للصندوق تشمل:

  • وضع استراتيجية متوازنة تجمع بين التشغيل والشراكة.
  • تحقيق الاستقرار الإداري.
  • وضع آلية مدروسة لنقل الأصول تضمن تحقيق أعلى استفادة ممكنة.

ما وراء نقل الأصول: رؤية نقدية

من جانبه، وصف مصطفى يوسف، الباحث في الاقتصاد السياسي ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية، خطة الحكومة بـ”الجريئة”، لكنه يرى أنها تعكس واقعًا اقتصاديًا متقلبًا، خاصة مع استمرار نقل أصول الدولة إلى الصندوق السيادي دون رؤية واضحة لعمليات التطوير والاستثمار.

وأكد يوسف أن تكرار تصريحات الحكومة حول حل أزمة السيولة الدولارية عبر بيع أو رهن الأصول لا يعكس الواقع الاقتصادي الحقيقي، مشيرًا إلى أن جوهر الأزمة يكمن في الهيمنة العسكرية على الاقتصاد ومنافسة القطاع الخاص، مما يؤدي إلى خلل هيكلي ونقص في خطط التنمية الشاملة.

مقترحات للإصلاح الاقتصادي

قدم يوسف عددًا من التوصيات لضمان إصلاح اقتصادي مستدام، منها:

  • فرض سيادة القانون على جميع الأنشطة الاقتصادية.
  • تقليص الدور العسكري في الاقتصاد.
  • خفض الإنفاق الحكومي غير الضروري.
  • بيع المشاريع غير المجدية اقتصاديًا.
  • توجيه الاستثمارات نحو قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة والسياحة.

بين الإصلاح والجدل.. إلى أين تتجه مصر؟

تسعى الحكومة المصرية إلى الاستفادة من الصندوق السيادي كأداة لتعزيز استثمارات الدولة وجذب القطاع الخاص، لكن نجاح هذه الخطة يعتمد على تحقيق الشفافية، وضمان الاستقرار المؤسسي، وتبني سياسات اقتصادية تدعم التنمية الشاملة بدلًا من التركيز فقط على تدوير الأصول.

زر الذهاب إلى الأعلى