شركات البيانات تتجه إلى المخابئ والجبال لتأمين بياناتها من الكوارث الطبيعية والبشرية

لا تزال شركات البيانات تبحث بلا توقف عن مواقع آمنة قادرة على حماية بياناتها من أي كارثة، سواء كانت طبيعية أو من صنع الإنسان. وقد دفعت هذه الحاجة بعض الشركات إلى تحويل المخابئ النووية والمناجم والجبال إلى مراكز بيانات محصنة. وقام فريق موقع “وايرد” بتفصيل زيارة لأحد هذه المواقع.
مواقع منتشرة حول العالم
استهدفت الزيارة مخبأ نووياً تم بناؤه في أوائل خمسينات القرن الماضي كمركز مراقبة تابع للقوات الجوية الملكية لكشف الطائرات المحملة بالأسلحة النووية. يمتد هذا المخبأ لأكثر من 30 متراً تحت الأرض، وهو اليوم تابع لشركة “سايبرفورت” (Cyberfot) المتخصصة في الخدمات السيبرانية للعملاء حول العالم.
ويشير التقرير إلى وجود العديد من المواقع المشابهة حول العالم، بدءاً من جبال الصين وملاجئ القنابل، إلى مراكز القيادة السرية للاتحاد السوفيتي في كييف، ومخابئ وزارة الدفاع الأميركية.
ولا يقتصر الأمر على المنشآت البشرية فقط، بل يشمل الجبال الطبيعية التي تحولت إلى مراكز بيانات محصنة، مثل سلسلة “ماونت 10 إيه جي” في جبال الألب السويسرية، وخزائن مكتب النرويج الوطنية جنوب الدائرة القطبية. ومن أبرز هذه المواقع أرشيف العالم القطبي في سفالبارد، الذي كان منجم فحم سابقاً وحوّلته شركة “بيكل” (Piql) إلى مخزن بيانات مصمم لمواجهة كافة الظروف الطبيعية.
تاريخ طويل لتخزين الثروات تحت الأرض
يشير آر إي تايلور في تقريره مع “وايرد” إلى أن تخزين الأشياء الثمينة تحت الأرض ليس ابتكاراً حديثاً، بل إعادة لإرث قديم، إذ كان القدماء يضعون الذهب والمعادن الثمينة في مقابرهم تحت الأرض، بينما يحتفظ الإنسان المعاصر بأثمن ممتلكاته — البيانات — في مخازن آمنة تحت الأرض.
وفي ظل الهجمات السيبرانية الأخيرة التي عطلت شركات عالمية وفقدت بياناتها، باتت الحاجة إلى تخزين البيانات بشكل آمن أكثر إلحاحاً، سواء على الصعيد السيبراني أو في العالم الواقعي. وتتميز هذه المنشآت بالحماية القصوى، بدءاً من الزجاج المقاوم للرصاص، وحتى الشبكات المنفصلة والمعزولة.
السحابة الخرسانية
انتشرت خدمات التخزين السحابي على نطاق واسع، ويعتمد ملايين المستخدمين حول العالم عليها. وعلى الرغم من أن التخزين السحابي يبدو افتراضياً، إلا أن الخوادم الفعلية غالباً ما تكون موجودة في مبانٍ خرسانية محصنة.
ومن الأمثلة البارزة على ذلك أرشيف العالم القطبي في سفالبارد، الذي يحوي نسخاً من جميع البرمجيات مفتوحة المصدر على GitHub، محفوظة على وسائط مخصصة لتدوم آلاف السنين. وتعد ملاجئ البيانات في المخابئ النووية والجبال أشبه بخوادم “غوغل درايف” أو “آي كلاود”، لكنها توفر مستوى أمان أعلى بكثير.
تم تصميم هذه المنشآت لتحمّل عوامل الزمن والكوارث الطبيعية والبشرية، فهي مزودة بأبواب مضادة للانفجارات تزن آلاف الكيلوغرامات، وزجاج مقاوم للرصاص، وحوائط لا يمكن اختراقها، إضافة إلى توظيف أفراد أمن ذوي خبرة عميقة لحماية البيانات كما لو كانت أسراراً عسكرية.
أهمية الحماية القصوى للبيانات
يشير التقرير إلى أن البعض يقلل من شأن البيانات لأنها غير ملموسة، لكن التاريخ الحديث أظهر أن تعطّلها يمكن أن يسبب أزمات كبيرة، مثل توقف خدمات “فاستلي” في يونيو 2021 أو أزمة “كراود سترايك” العام الماضي، والتي اعتبرت أكبر انقطاع للخدمات في التاريخ، مسببة خسائر بالملايين.
مع الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد مباشرة على البيانات، تصبح هذه المنشآت محورية وضرورية، رغم أنها لم تستخدم بعد لتخزين منتجات الذكاء الاصطناعي بالكامل.
إذن، أصبح تأمين البيانات الحساسة وحمايتها من أي تهديد مسعى استراتيجيًا تتسابق الشركات العالمية لتحقيقه عبر مختلف الوسائل والمواقع، سواء تحت الأرض أو داخل الجبال أو في مراكز محصنة ضد أي كارثة.







